الرباط- أحمد برطيع: نجح المغرب منذ العام  2010 بتقليص نسبة الفقر في البلاد بشكل واسع حيث حققت البلاد أحد أهداف الألفية للتنمية بتراجع ملحوظ لنسبة الفقر التي تقاس بـحوالي دولار أمريكي واحد حسب منسوب القدرة الشرائية لكل فرد في اليوم، من 3.5 في المائة المسجلة سنة 1985، إلى أقل من 0.3 في المائة سنة 2011.  

وكشف أحدث تقرير للمندوبية السامية للتخطيط أن نسبة انخفاض الفقر المطلق بالمغرب بلغت حوالي حوالي 60 في المائة"، في الفترة ما بين 2001 و2011، حيث انتقلت نسبة الفقر المطلق من 15.3 في المائة إلى 6.2 في المائة.  

وأفاد التقرير الوطني الخامس حول "أهداف الألفية من أجل التنمية 2015"، الذي أصدرته المندوبية السامية للتخطيط مؤخرا، أن المغرب، من خلال الأرقام المدرجة، وضع حدا منذ 2010،  للفقر المطلق، وقلص بنسب مهمة الفقر النسبي.  

وتشير المعطيات الرسمية الى أن نسبة الفقر بالبلاد تراجعت من 3.5 في المائة في العام 1985 إلى أقل من 0.3 في المائة في العام 2011، مقابل هدف 1.8 في المائة المسطر ضمن أهداف الألفية للتنمية في أفق سنة 2015. و بالتالي فإن الفقر بالمغرب لم يعد يهم سوى أقل من 1 في المائة من السكان، يتوزعون إلى 0.3 في المائة بالوسط الحضري و 0.6 في المائة بالعالم القروي.  

تجاوز أهداف التنمية للألفية

ويسجل تقرير المندوبية السامية للتخطيط أن المغرب نجح في تخفيض نسب الفقر إلى حدود العتبات التي توقعتها المندوبية وأوصت بها المؤسسات الدولية، خصوصا توصيات صندوق النقد الدولي، وأهداف الألفية للتنمية التي سطرتها هيئة الأمم المتحدة في أفق 2015.  

ففي الوقت الذي تراجع فيه معدل الفقر النسبي في ظرف 10 سنوات بأكثر من النصف، تراجعت معدلات الهشاشة بدورها بأكثر من 40 في المائة، لتستقر في حدود 13.3 في المائة سنة 2011، بعدما كانت في حدود 41.7 في المائة العام 2001.

كما نجح المغرب في القضاء على الجوع، وذلك بتقليص نسبة المغاربة الذين لا يتوفرون على الحد الأدنى من السعرات الحرارية من 4.6 في المائة سنة 1985 إلى 0.5 سنة 2011، وهي السنة التي كان يعاني فيها 0.2 من المائة من السكان الحضريين و1 في المائة من السكان القرويين من الفقر الغذائي.

وتشير معطيات المندوبية السامية للتخطيط إلى أن الفقر متعدد الأبعاد يعرف انخفاضا متسارعا بدوره، قياسا بالتقدم الكبير المحرز على مستوى تحسين ظروف معيشة السكان، وتسجل هذه المعطيات أن الفقر متعدد الأبعاد يسير نحو الاندثار في المناطق الحضرية، في حين ما يزال واحد بين كل خمسة أفراد يعاني منه بالمناطق القروية.   

إشادة من المؤسسات الدولية

وأشاد البنك الدولي بالجهود المبذولة من طرف المغرب في استئصال الفقر المدقع، مما أدى إلى تحسن مستوى رفاهية حوالي 40 في المائة من السكان ذوي الدخل المنخفض.

وثمنت المؤسسة المالية الدولية، على لسان سيمون غراي، مدير قسم المغرب العربي بمجموعة البنك الدولي النتائج التي حققتها المملكة، معتبرا أن المغرب يعد واحدا من بين من أربعة أقطار بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تسجل بها نسبة فقر أقل من 5 في المائة والمقدرة بدولارين في اليوم، بالإضافة إلى كل من الأردن وتونس وفلسطين، في وقت الذي لازال معدل الفقر ما بين 15 و 30 في المائة في بلدان أخرى بالمنطقة. 

وأعلن مسؤول البنك الدولي في أكتوبر الماضي أن المؤسسة عازمة على المضي في تعزيز استراتيجية الشراكة الهادفة إلى مواكبة المغرب في برنامجه التنموي بغية تعزيز إمكانيات النمو وخلق مزيد من فرص الشغل المنتج وتحسين ظروف عيش السكان. وأبرز أن التحديات التي تواجه المغرب تتمثل في تطوير اقتصاده بوتيرة أسرع من المعدلات التاريخية، لخلق المزيد من فرص الشغل وثروات أكبر يتم تقاسمها بين الجميع مع ما يستتبعه من إحداث تحول هيكلي في الاقتصاد المغربي لتحقيق التنافسية المرجوة.

جهود متواصلة لاستئصال الفقر

منذ مطلع الألفية الجديدة أخذت الحكومات المتعاقبة بالمغرب على عاتقها قضية محاربة الفقر والهشاشة، وجعلتها إحدى أولوياتها في برامجها السياسية. كما أن عاهل البلاد ما انفك يلح على أن أولوية اهتماماته تنصب على هذا الجانب وهو ما جعله يلقب ب "ملك الفقراء" بالنظر إلى المبادرات الكثيرة التي أطلقها من أجل تحسين ظروف معيشة المواطنين.

ورصدت مختلف الحكومات اعتمادات مالية جد مهمة من ميزانية الدولة  للقطاعات الاجتماعية، حيث ارتفعت حصة القطاعات الاجتماعية في الميزانية العامة بنسبة تتجاوز 52 في المائة في الفترة ما بين 1994 و2012، وانتقلت على التوالي من 36 إلى 55 في المائة من الموازنة العامة للدولة، كان النصيب الأكبر منها لقطاعي التعليم والصحة اللذان تضاعفت الاعتمادات المخصصة لهما ثلاث مرات، حسب تقارير المندوبية السامية للتخطيط.  

ووجه العاهل المغربي، منذ اعتلائه العرش، اهتمامه لمحاربة الفقر والهشاشة بالبلاد وتحسين ظروف عيش المواطنين، وأطلق العديد من المبادرات، موازاة مع مبادرات حكومية أخرى، تروم النهوض بأوضاع الفئات المعوزة، والاهتمام بها على جميع المستويات، إلى أن غدا يلقب ب "ملك الفقراء".

وكانت أولى هذه المبادرات خلق "مؤسسة محمد الخامس للتضامن" وهي مؤسسة وطنية تعمل على القضاء على الفقر والهشاشة، خصوصا في المناطق النائية، وتستهدف السكان المعوزين.

وفي العام 2005 أطلق العاهل المغربي مبادرة لا تقل أهمية وهي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تتماشى جهودها مع المبادرة السابقة وتتكامل معها في خلق أنشطة مدرة للدخل للأسر المحتاجة والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والمادية للسكان الذين هم في حاجة إلى مثل هذه المساعدات. 

وفضلا عن هذه المبادرة التي تدخل عامها العاشر، عملت الحكومة الحالية على تعميم نظام المساعدة الطبية للمعوزين المعروف اختصارا ب "راميد" والذي استطاع بعد سنتين من تطبيقه إلى تغطية أزيد من 8 ملايين من السكان.

وتشير المندوبية السامية للتخطيط أن أكبر تحديات المغرب في مجال مكافحة الفقر تتوزع إلى ثلاث محاور أساسية، أولها في الحد من ارتفاع الفوارق الاجتماعية، وثانيها تخفيف حدة الشعور بالفقر، عبر إيلاء الأهمية لمجالات التربية والتكوين، والهشاشة المرتبطة بالعمل، وتعزيز ثقة المواطنين من خلال محاربة انعدام الأمن المالي والاجتماعي، وثالثها الحفاظ على وتيرة انخفاض الفقر، النقدي والمتعدد الأبعاد والحضري، وتعزيز وتيرة تقليص الفقر في الوسط القروي، بهدف ردم الهوة بين الوسطين الحضري والقروي.  

وتوضح بعض مؤشرات المندوبية السامية للتخطيط، على سبيل المثال، أنه في مجال التربية والتكوين أن حالة التعليم الأولي في تراجع، من خلال انخفاض نسبة الأطفال المتمدرسين بين 2008 و 2012 بنسبة 5.4 في المائة، مقابل تسجيل نمو مضطرد في أعداد التلاميذ بالطور الابتدائي، بنسبة نمو إجمالي تعادل 4 في المائة بين 2008 و2012.

"/المستقبل/" انتهى ع.د