في سنة 1986، رفع الملك المغربي الراحل الحسن الثاني، شعار «وكان عرشه على الماء» لتحفيز الشعب وتشجيعه على المشاركة في تشييد معلمة دينية متفردة في العالم الإسلامي، بنيت على مياه المحيط الأطلسي، وأطلق عليها إسم «مسجد الحسن الثاني»، قدرت كلفته بـ 500 مليون دولار، وشيد على 9 هكتارات، ستة منها على الماء، بعد أن وضع حجرة الأساس سنة 1986 وانطلقت الأشغال في السنة الموالية لتنتهي في عيد المولد النبوي سنة 1993.
عندما ألقى الحسن الثاني خطابه في إحدى ليالي سنة 1986 مخاطبا الشعب بالمساهمة «ولو بدرهم واحد» ظن المواطن البسيط أن الأمر كذلك، فيما كانت على ما يبدو أوامر سرية تجبر كل مسؤول إداري في جماعته الترابية، ومحافظته الإدارية أن يلم أكبر رقم من التبرعات، هنا انقلبت الآية لدى الشعب المغلوب على أمره.
أجبر المواطنون على التبرع بأموال كثيرة يحصلون لقاءها على لوحة فيها رسم المسجد وتتوسطها أية «وكان عرشه على الماء» وأسفلها «من بنى مسجدا في الدنيا يذكر فيه إسم الله بنى الله له بيتا في الجنة»، من الناس من باع أثاثه للتبرع للمسجد، وإن كان المثل العربي يقول: «اللي يحتاجو البيت يحرم على الجامع»ّ، ومنهم من اقترض، ومنهم من آخذته «العزة بالإثم» وتحدى أبناء قريته أو حيه وكلف على نفسه رغم الإملاق، ليدفع ما لن يستطيع أن يسدده بقية حياته.
في الحي الذي كنا نقطنه، اجتمع رئيس المجلس القروي بأهل الحي في مسجد الضاحية، وشكل لجنة من الأخيار فيهم مقدم الحي «المختار»، ونادى في الناس أن يتقدموا بتبرعاتهم، كان الطابور مشكلا من أناس يأكل البؤس من تلابيبهم، وفي قبضة كل منهم بعض الدريهمات للتبرع لبناء مسجد لن يروه أبدا، ولن يصلوا فيه لقاء تبرعهم، وعندما حل دور «عمي محمد» قدم 10 دراهم (1 دولار) كتبرع، وماهي إلا لحظات حتى أشعل القائد وجه الشيخ بصفعة رددتها جدران بيت الله الذي كانت تُلم فيه التبرعات لبناء بيت لله أكبر، في مدينة أخرى، لا يعرفها «عمي محمد»، فتمتم الحضور بين معاتب للشيخ على تبرعه البخس، ومن التزم الصمت.
مسجد الحسن الثاني فعلا، معلمة، يفتخر بها الشعب المغربي، والزائر، والمصلين، ولكن الكثيرين ممن ساهموا في بنائه لم يروه ولم يصلوا فيه، حتى أنا الذي أتردد على مدينة الدار البيضاء «غرب» تشق علي زيارته، الحقيقة أنني لم أسع إليه يوما ولم أصلي فيه، وقد لا أصلي فيه حتى يغير اسمه من مسجد «الحسن الثاني» إلى «مسجد الشعب».
|