تراهم يتراقصون على اناشيد وطنية تعبّرعن حبهم لبلدهم وحماية شعبهم، مدججين بأسلحتهم الفتاكة للدفاع عن أمن وإستقرار ارضهم. انهم جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية.
عندما تشاهدهم للمرة الأولى لا يخطر ببالك سوى أن الكونغو وشعبها محظوظين لإمتلاكهم مثل هذا الجيش القوي الجبار، راعي أمن و سلامة البلاد، ولكن الظاهر ليس كالباطن.
تقع الكونغو في الجمهورية السمراء وتعتبر واحدة من أكثر البلدان الغنية بالموارد الطبيعية بالعالم، بدأت فيها الحرب (حرب إفريقيا العظيمة) في تموز عام 1998، وانتهت رسميًا في حزيران 2003 عند تولي الحكومة الانتقالية لجمهورية الكونغو الديموقراطية السلطة، على الرغم من استمرار العداوات حتى الآن.
5.4 مليون شخص توفي معظمهم بسبب الأمراض والمجاعة، وتم تهجير الملايين من أوطانهم وأجبروا على العيش في مخيمات.
بدأت الحرب وبدأت معها جميع أشكال العنف والقهر، وخاصةً العنف الجنسي ضد النساء والأطفال الذي كان سببه قصة الأطباء المشعوذين عن الرغبات المنحرفة ، أو كيف ينجو الجندي من الطلقات النارية أثناء المعارك، فما عليه سوى أن يختار فتاة صغيرة لا يتجاوز عمرها السبعة اعوام، يقوم بإغتصابها ودهن جسمه من دم غشاء بكارتها، وبذلك لن تتمكن الرصاصة من إختراق جسده لأنه محصن ضد الطلقات.
لقد أصبح الإغتصاب في جمهورية الكونغو الديمقراطية سلاحاً من أسلحة الحرب، إذ تتعرض نحو 5000 إمرأة للإغتصاب في شمال مدينة كيفو، شرق البلاد منذ 2012 بحسب منظمة" هيلث افريكا" غير الحكومية، إلي الحد الذي لا تجرأ فيه النساء على الخروج من منازلهن لإحضار الماء والحطب والطعام خوفا من التعرض للإعتداء والإغتصاب.
وقد ذكر ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في شرق الكونغو مؤخراً أن هناك زيادة كبيرة في حالات اغتصاب المدنيين منذ عام 2011، وأن 77 بالمئة من الحالات قد سجلت في عام 2013. كما وجدت دراسة أجرتها منظمة "أوكسفام" عام 2010، أن حالات الاغتصاب في الكونغو زادت بنحو 17 ضعفاً خلال الفترة بين عامي 2004 -2008.
فهم يقولون أن قائدهم هو الذي كان يأمرهم بأن يغتصبوا النساء لكي يرتاحوا نفسياً ، وبذلك يستطيعون أن يخوضوا المعركة ببال مرتاح.
يروي جندي شاب روايته عن الجرائم التي اقترفها في حق المدنيين، ويقول : "اجتمعنا ذات يوم أنا ورفقائي واتفقنا على أن يقوم كل منا بإغتصاب 10 نساء، وبالفعل قمنا بذلك دون خوف من العقاب"
ويتفق محللون يتابعون تطورات الصراع في الكونغو عن قرب على أن اغتصاب النساء أصبح سلاحًا فتاكًا في أيدي المتمردين والقوات الحكومية على حد سواء في جولات القتال، حيث يستغل كل طرف هذا السلاح أبشع استغلال كلما رجحت كفة الحرب لمصلحته.
ويقول هؤلاء ومعهم مراقبون إن ما «يزيد الطين بلّة»، أن مدنيين يستغلون حالة الفلتان الأمني والفوضى السياسية والخوف الدائم الذي تعيشه النساء في مناطق التوتر ويقومون بالمزيد من عمليات الاغتصاب.
وطبقًا للمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإن الكونغو تشهد نحو 14 عملية اغتصاب يوميًا ومنذ العام 1996 تمّ رسميًا إحصاء 200 ألف حالة اغتصاب جنسي. وسُجلت أكثر من ثلث عمليات الاغتصاب في إقليمي شمال وجنوب كيفو في شرق الكونغو، حيث أدّت أعمال العنف إلى نزوح 1.4 مليون شخص بينهم 100 ألف يقيمون في مخيمات تديرها مفوضية اللاجئين. كما سجلت أكثر من 4000 عملية اغتصاب في شرق الكونغو خلال العام الماضي، بينما لم تتم إدانة إلا عدد قليل من المعتدين وهم غالبًا من الجنود الحكوميين أو عناصر الميليشيات.
توضح منظمة «أطباء من أجل حقوق الإنسان» في الكونغو بأنه من الصعب تقدير حجم المشكلة المدمرة لاغتصاب المدنيين. وتشير الى أن حوالي 2 بالمئة فقط من النساء يبلغن عن حالات الاغتصاب في الكونغو.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الفظائع المرتكبة تتسم بوحشية لا يمكن تخيلها. وقد تم تدمير الحياة السابقة للنساء الضحايا بسبب الصدمة والوصم اللذين كثيراً ما يعانين منهما في أسرهن ومجتمعاتهن المحلية. وهؤلاء النساء، المحرومات من شبكات الدعم الاجتماعي، كثيراً ما يناضلن من أجل مجرد بقائهن المادي والبقاء المادي لأطفالهن.
في الخامس من تشرين الأول 2013 أعلن بيان رسمي أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (بنود) وحكومة الكونغو أطلقا في برازافيل برنامجا مشتركا بقيمة 18 مليون دولار أمريكي لمكافحة الإفلات من العقاب ودعم ضحايا العنف ضد النساء وضمان استقلاليتهن في شرق الكونغو الديمقراطية.
وذكر البيان أن هذا البرنامج يهدف إلى الحد بشكل مستدام من انتشار العنف الجنسي في الكونغو الديمقراطية ومحاربة الإفلات من العقاب والتعبئة حول استراتيجية تحسيس بشأن تغيير السلوكيات والرعاية النفسية والطبية للضحايا وإعادة إدماجهم اجتماعيا واقتصاديا.
وستتولى وزارة المرأة والأسرة والطفولة ووزارة العدل وحقوق الإنسان رعاية هذا المشروع المشترك من جانب الكونغو حيث ستشرف وزارة المرأة على التنسيق الحكومي.
يقول خبراء ومواطنون كونغوليون إن الرجال الذين قاتلوا في الصراع في البلاد يبدو أنهم " استبطنوا " العنف الشديد ليعيدوا إنتاجه، وتفيد إحدى الدراسات أن 43 % من الرجال الذين تمت مقابلتهم كانوا ضالعين بشكل أو بآخر في جماعات المسلحة أو قوات حكومية. إلا أن عملية إعادة الإدماج كانت بعد وقف القتال ضعيفة إلى معدومة ولم يستفيد المسلحون العائدون من ساحة المعركة إلى ديارهم مثلا من المشورة ، ولا من جهود للتخفيف من صدماتهم.. بعد أن قاتلوا و شاهدوا أهوال الحرب، لا تبدو نقطة التحول نحو العنف بعيدة أبدا . كما وجدت دراسة للبنك الدولي نشرت نتائجها في سبتمبر 2013 أن " نسبة كبيرة من المسلحين السابقين أظهروا علامات عدوان أعلى من الطبيعي.واشارت إلى أن 44 % ممن تمت مقابلته إنهم يشعرون بالارتياح عند إيذاء الآخرين ، فيما عبر 35 % عن شعور بالحاجة للقتال.
بالإضافة الى ذلك، هناك نقص في القيادة الذكورية والقدوة النموذجية في البلاد، فعند محاولة إيجاد نموذج للاقتداء به ، لا يمكن العثور حتى على نوذج واحد . فالجميع يغتصب. المحافظ يغتصب، و الجار يغتصب... ما الحل ؟ "
يبدو كما لو أن الأسرة و المجتمع نفسه تفككا وانشطرا بعد الحرب، وكأنه انهيار كلي للاحترام داخل المجتمعات والأسر ، الكثير من الصمامات الاجتماعية لم تعد موجودة الآن. فقبل الحرب، كان العنف الجنسي مرفوض اجتماعيا، رئيس القرية كانت له السلطة والنفوذ بين السكان والمجتمع ، ولكن الآن، ومع الإفلات من العقاب السائد في كل مكان ، فإن هذا الوضع سمح لهذه الظاهرة المشكلة بالنمو.
فقد وصفت الموفدة الخاصة للأمم المتحدة لمكافحة العنف ضد النساء والأطفال في النزاعات "مارغوت والتسروم" جمهورية الكونغو الديمقراطية بأنها "العاصمة العالمية للاغتصاب"، وحضت مجلس الأمن الدولي على التحرك لوضع حد لأعمال العنف هذه.
وقالت والستروم أمام أعضاء مجلس الأمن ال15 "إذا كان تعرض النساء لأعمال العنف الجنسي مستمرا، فليس السبب ان القانون لا يستطيع حمايتهم ولكن لأنه لا يطبق في شكل كاف".
وأضافت خلال عرضها امام اعضاء المجلس نتائج زيارتها الاخيرة لجمهورية الكونغو ان "النساء لا حقوق لهن اذا ظل من يغتصبون حقوقهن من دون عقا ، وان النساء لسن آمنات في منازلهن وأسرتهن حين يحل الظلام".
كارثة العنف الجنسي في الكونغو ليست وليدة اليوم، فهذه المأساة طالت النساء منذ أيام الحرب ومازلت حتى يومنا هذا.
منظمات وجمعيات وقرارات دولية عايشت هذا الموضوع بكافة جوانبه، إلا أن القرارات التي اصدرتها أو الحلول التي نتجت عن الدراسات، ليست فعالة ولا تداوي جروح حفرت في نفسية الضحايا.
أطفال مجهولين الأب، مشردين مع أمهات ضعيفات ليس لهم من يحميهم، فتيات تملكهم مرض الإيدز يتمنين الموت يومياً 100 مرة، وأخريات طردن من منازل أزواجهن بسبب ذنب لم يرتكبوه.
تراها تتكلم عن تلك الليلة السوداء التي دمرت حياتها وبعثرت كرامتها متمنية لو ماتت في لحظتها أفضل من العيش مع ندوب محفورة لا تمحى مهما طال الزمن.
اعداد: عُلا الكجك