لم يخطىء الشيخ فهد سالم العلي الصباح عندما قال أنه "حين يتّبع الزعماء سياسة كسب الشعبية دونما اتباع سياسة معيّنة هادفة للقيام بما فيه خير للبلد فإعلم أن هذا البلد قابل للإنهيار، وحين يتّبعون مثل هكذا سياسات شعبية فلن تصمد السياسة في البلد بل ستصبح عرضة للتجاذبات السياسية وبذلك يكون البلد قد بدأ في أولى مراحل الانهيار"، فمتى يصحى أصحاب تلك السياسات الشعبية ويعملون وفق مبادئ يدعمها الدستور والقوانين والعمل للقيام بما هو صائب؟.
فوظيفة الزعماء، في أيّ بلدٍ كان، والنواب تحديداً، هي البحث عن كيفيّة تحقيق مطالب الشعوب وتطوير البلاد والعمل لما فيه خيرها. ولمّا يكون هدف النائب تحقيق مصالح من إنتخبوه حصراً، أو تمرير مشاريع لمقرّبين منه على حساب الشعب ومصلحة البلاد، فعندها يمكن القول أن الديمقراطية بمفهومها وممارستها باتت على المحكّ، إذ لا يمكن القول عن أية دولة أنها دولة ديمقراطيّة إذا أصبح فيها النائب، الذي يجب أن يكون الناطق بإسم الشعب والمحقق غاياته، نائب خدمات عامة يحقق مصالح ضيّقة لا تخدم المصالح العامة التي يجب على النواب توخيها.
كما يجب دائماً التذكير بأن دور النائب بالدرجة الأولى ليس تأمين الخدمات، وإن كانت عامّة، بل العمل على إصدار تشريعات وقوانين تحمي حقوق المواطنين وتصون حرياتهم وتطوّر أوضاعهم في كنف الدّولة.
ولا يقتصر دور النائب على الإطار التشريعي، بل يتعدّاه إلى الدور الرقابي، حيث أنّ النائب يُعدّ العين الساهرة على عمل السلطة التنفيذية، وهو من يراقب أداء الوزراء وله حقّ مساءلتهم ومحاسبتهم.
وفي الكويت، تبرز ظاهرة "نائب الخدمات العامة" للفئة التي تنتخبه ونائب "المقترحات" التي تفتقد إلى مضمون يعزز من تطوير البلد. ولو كان النائب ملتزماً بما ينص عليه منطق صلاحيات النائب وأنه التزم دوره في التشريع والرقابة على النشاط الحكومي الذي قد يتخلله عيوب مفترضة ويعتبر من أقوى أنواع الرقابة، لما كنا اليوم أمام نواب تائهين في بحر الأسئلة والاستجوابات يفتشون عن فضيحة جديدة يجدونها بين السطور لتخدمهم إعلامياً.
وقد يقول قائل أن الحكومات المتعاقبة في الكويت وفّرت جميع حقوق المواطنين من تعليم واستشفاء وسكن وتوظيف ولكنها لم تعمل بمبدأ منطقي يجعل من هذه الحقوق عملاً سارياً فعلياً. فالحديث عن مشاريع وقوانين وإصلاحات تبقى حبراً على ورق ما لم تترجم فعلياً على أرض الواقع. والمديح بالحكومة اليوم ثمّ ذمّها غداً لن يفيدا المواطن بشيء؛ وتوزيع الخدمات يميناً وشمالاً من دون النّظر إلى الملفات المهمة التي تعني الشعب، كلّ الشعب مباشرةً، يضرب الديمقراطية بعرض الحائط.
فهل نستفيق يوماً ما لنجد نائباً واحداً في مجلس الأمّة يضع نصب أعينه مصلحة الشعب الكويتي، والشعب كلّه من دون أن يبدّي المصالح الفئوية على المصالح العامة التي تؤدّي إلى تطوير مفهوم الديمقراطية؟.
ابتسام الحمد