تعثرت المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي مرة جديدة، بعد جهود بذلها وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإنجاحها، وهو الذي كان قد إنتزع موافقة الطرفين على استئناف المحادثات لمدة تسعة أشهر تنتهي في 29 نيسان الحالي، بعد إستئنافها برعاية واشنطن يومي 29 و30 تموز الماضي بعد توقفها ثلاث سنوات.
وشهدت المفاوضات إنتكاسة جديدة بعد رفض إسرائيل الإلتزام بتعهداتها بشأن الأسرى حيث امتنعت عن تنفيذ وعد بالإفراج عن نحو 25 أسيرا فلسطينياً، علماً أنها كانت قد وافقت على الإفراج عن 4 دفعات من الأسرى الفلسطينيين المعتقلين لديها منذ عام 1993 بموجب هذا الاتفاق، في حين وافقت السلطة الفلسطينية على تعليق أي خطوة نحو الانضمام إلى منظمات أو معاهدات دولية خلال المفاوضات. وخطوة إسرائيل هذه قابلها رد فلسطيني بالتوقيع على طلبات للانضمام إلى 15 معاهدة واتفاقية ومنظمة أممية، من بينها اتفاقيات جنيف، التي تتضمن القواعد الخاصة بالحرب والاحتلال، وذلك باسم دولة فلسطين في خطوة فاجأت واشنطن وأغضبت إسرائيل.
فقال وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أنه "على عباس أن يتراجع عن تلك الخطوة حتى يعاد النظر في مسألة الإفراج عن المحتجزين"، فيما هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باتخاذ اجراءات انتقامية لم يفصح عنها ردا على الخطوة التي اتخذها عباس.
وفي هذا الإطار، قال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي إن عباس سيدعو خلال اجتماع لجامعة الدول العربية إلى دعم سياسي واقتصادي في حالة إعلان إسرائيل خطوات عقابية.
وتتواصل الجهود حتى الساعة لإعادة إحياء المفاوضات بوساطة أميركية، حيث اجتمع الوسيط الأميركي مارتن إينديك مع كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ونظيرته الإسرائيلية تسيبي ليفني يوم الإثنين بعد لقاء عقد يوم الأحد ووصفته الولايات المتحدة بأنه "جاد وبناء".
وبعد اختتام أحدث جلسة المحادثات، قال مسؤول إسرائيلي طلب عدم نشر اسمه: "كان المناخ أشبه بمناخ الأعمال واتفق الجانبان على الاجتماع مرة أخرى لمحاولة إيجاد حل للأزمة".
من جهته، ذكر مصدر فلسطيني مقرب من الملف أنه "ما زالت هناك خلافات بين المواقف الإسرائيلية والفلسطينية"، مشيرا إلى أن "الجانب الأميركي قام بجهود كثيرة لتجاوز هذه الخلافات"، مؤكدا أنه "سيتم استئناف اللقاءات بعد اجتماع الجامعة العربية الأربعاء لمناقشة عملية السلام".
من جهتها، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين بساكي في بيان عن المناقشات الأخيرة أنه "لا تزال توجد فجوات لكن الجانبين ملتزمان بتضييق هذه الفجوات".
وفي هذه الأثناء، طالب عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" نبيل شعث، بـ"موقف عربي داعم للفلسطينيين في مواجهة التعنت الإسرائيلي والانحياز الأميركي"، معربا عن أمله في أن "يخرج الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب بقرارات بحجم ما تمر به القضية الفلسطينية من صعوبات تواجهها القيادة والشعب الفلسطيني في هذه المرحلة".
وأعرب عن اعتقاده أن "ما سيصدر عن الاجتماع، سيدعم الموقف الفلسطيني في مواجهة إسرائيل فيما يتعلق بالمفاوضات والثوابت الوطنية في قضايا الأسرى والقدس وحق العودة وإنهاء الاحتلال والاستيطان ورفض يهودية الدولة"، معتبرا أن "هذه القضايا تمثل ثوابت فلسطينية وعربية، وأنه لم يحدث انحراف عربي عن هذه الثوابت".
وحمّل شعث إسرائيل مسؤولية تعثر المفاوضات، فضلا عن عجز الولايات المتحدة وعدم رغبتها في ممارسة أي ضغط على إسرائيل"، مشيرا إلى أن "ما التزمت به إسرائيل وأميركا طيلة العشرين عاما الماضية لم يعد موجودا على الأرض".
وأكد أن "المبادرة العربية للسلام تظل ركنا أساسا في الحراك الدولي، ولا أحد ينكر أنها عادلة ومنصفة وسلمية، ولكن ذلك كله لا يكون إلا بضغط أميركي ودولي لقبول إسرائيل بالمبادرة، لأنه ما زالت تتعنت وترفض وتضع الشروط"، مضيفا أنه "إذا انسحبت إسرائيل من كل المناطق التي احتلتها عام 67، وتم حل مشكلة اللاجئين على أساس القرار 194، وأن تقوم دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، فإنه يمكن للجامعة العربية أن تتمسك بالمبادرة العربية من خلال مشروع القرار العربي، وهذا ليس ضارا وإنما يمكن أن يستخدم كأساس للدعم العربي للموقف الفلسطيني".
بدوره، حمّل مجلس الوزراء الفلسطيني "الحكومة الاسرائيلية المسؤولية الكاملة، عن افشال مهمة وزير الخارجية الاميركي جون كيري"، مستغربا "تصريحات اسرائيلية تعتبر توقيع فلسطين المعاهدات الدولية خطوة احادية والغاء لاتفاق اوسلو".
واكد المجلس في بيان له بعد اجتماعه في رام الله ان "قرار القيادة الفلسطينية الانضمام الى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، هو حق اصيل للشعب الفلسطيني يكفله القانون الدولي وينسجم من ارادة المجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية".
وحث الدول المانحة على "استمرار تقديم مساعداتها المالية للسلطة الوطنية"، كما دعا "الدول العربية الى سرعة تحمل مسؤولياتها والتحرك لاتخاذ الخطوة اللازمة ووضع الاليات العملية لتنفيذ قرارات القمم العربية، بخصوص دعم القدس وتقديم شبكة الامان المالية في ظل التهديدات الاسرائيلي باحتجاز الاموال الفلسطينية".
وطالب المجلس الادارة الاميركية والمجتمع الدولي "باتخاذ مواقف عاجلة وحازمة تجاه الممارسات الاسرائيلية العدوانية، واجبار اسرائيل على الالتزام بقواعد القانون الدولي".
أمّا وزير شؤون الأسرى والمحررين الفلسطيني عيسى قراقع، فدعا إلى "التوجه للتوقيع على اتفاقية جنيف الرابعة الدولية لما توفره من تغيير في صفة الأسرى لدى إسرائيل".
وخلال الاعتصام التضامني الأسبوعي مع الأسرى في رام الله، أشار إلى أن "التوقيع على اتفاقية جنيف الرابعة سيعني أن أسرانا هم أسرى حرية وليسوا مجرمين كما تتعامل معهم إسرائيل".
وأعرب قراقع عن "الدعم الكامل لتوجه القيادة إلى المؤسسات الدولية تجاه دفع المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة إلى حماية الأسرى"، مشددا على أن "إطلاق سراح الأسرى هو استحقاق وطني وسياسي".
من ناحيته، دعا وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، الحكومة الاسرائيلية الى "ضرورة مواصلة العمل مع الولايات المتحدة والسلطة الوطنية الفلسطينية من اجل إنجاح جهود تحقيق السلام في منطقة الشرق الاوسط".
وخلال اجتماع عقده مع وزير الشؤون الاستراتيجية والاستخبارية والعلاقات الدولية الإسرائيلي يوفال شتاينتز في مقر وزارة الخارجية البريطانية، أكد هيغ ان "زيارة شتاينتز تأتي في "وقت مهم جدا" بالنسبة لمسار السلام في المنطقة"، مشيرا الى انه "ناقش مع شتاينتز سبل إنجاح مفاوضات السلام التي يدعمها المجتمع الدولي".
واوضح هيغ ان "المسار الحالي الذي ترعاه الولايات المتحدة عبر وزير خارجيتها جون كيري ما يزال يمثل افضل فرصة لإنهاء الصراع بشكل نهائي"، داعيا شتاينتز الى "مضاعفة الجهود والتنسيق مع الولايات المتحدة والسلطة الوطنية الفلسطينية بهدف تحقيق مساعي السلام بين الجانبين".
وفي حديث تستمر الجهود لإنعاش المفاوضات، نقلت صحيفة "معاريف" الاسرائيلية عن مسؤولين كبار في إسرائيل قولهم بأن "المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين وصلت إلى طريق مسدود".