بسم الله الذي خَلقَ الخلقَ وقدَّر أرزاقهم وحدَّد أعمارهم، من أَرادَ منهم الهدايةَ وفَّقهُ لها وشرح صدره بالإيمان، ومن أعرض عنها وقع في شرِّ إعماله، وتخبّط في حمأة معصيته.
الحمدلله الذي أجرى على عباده القدرَ المحتوم فما كان لهم يأتيهم على ضعف، وما كان عليهم لا يردونه بالقوة والعنف.
الحمدلله الذي من رحمته أنزل من السماء الماءَ فسقى منه البرَّ والفاجر، ومن لطفه بعباده لم يعجِّل العقوبة على الذنوب، ولم يغفلْ بابَ التوبة أمام التائبين.
وصف نفسه بالرحمن الرحيم مُعترِّفاً لعباده باسطاً لهم يد رحمته، معيناً لهم على ترك المعصية واللجوء إلى كَنَف الطاعة.
أمر عباده بالسّلام، وحضّهم على التوادِّ والتعارف، فجعل لهم الأشهر الحُرم واحاتٍ للسَّلام، حرَّم فيها التقاتل، وأمر بالتوادّ والتواصل.
الحمدلله أتمَّ النعمة على الناس بالإسلام وارتضَاه لهم دينا وأنزل القرآن الكريم على قلب نبيّه الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وكرّمه بالأخلاق وأَدَّبه فأحسن تأديبه، وجعله قدوة لعباده وشهيداً عليهم، وبرحمةٍ منه لانَ لهم، ودعاهم إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة.
ثمّ زيادة في جوده وعطائه سبحانه جلًّ وعلا شرَّف شهر رمضان على الشهور وفيه أنزل الفرقان على قلب نبيِّه الكريم، هدىً للناس ودستوراً لهم إلى يوم يرث الله فيه الأرض ومن عليها.
وفي هذا الشهر الفضيل أوجبَ، سبحانه الصيام وجعله على رأس الطّاعات وقال: "إلا الصوم لي وأنا أجزي به" وسماه شهر التوبة، ففيه تُصفّدُ الشياطين، فلا توسوس للناس، وفيه أجرى النّعمة ونشر الخير، فقال سبحانه وتعالى: "ولا تنسوا الفضل بينكم" حتى لا يزري بفقير فقرُه ولا تطفى بغني ثروته..
ويكون الناس فرحين بدينهم سعداء في أوطانهم، فلا يعرضون عن ذِكرِ الله الذي هداهم لما فيه الخير والصلاح.
أيها الأخوةُ في الله والوطن
ها نحن نستقبل شهر رمضان، آملين أن يوفقنا الله لصيامه وقيامه يهلُّ علينا ونحن نقبل عليه لنعيش النعمة فيه تحت عباءة الإسلام الحنيف، نفيء إلى الباري طمعاً في مغفرته ورضوانه، شاكرين نعمته العظيمة علينا، وقد خصّنا بالخير العميم، والرزق الذي فجَّرَه من باطن الأرض، ثم جعلنا بنعمته إخواناً، وهيّأ لنا من أمرنا رَشَدا، فكنّا عائلة واحدة نتقاسم اللقمة فرضي عنا الله تعالى ورضينا عنه، أطعنا حاكمنا فكان لنا الأب العطوف والشقيق الرحيم، جمعتنا المواطنة فدحرنا العدوان وانتصرنا على المحتل الغاشم، والآن، ونحن نعيش في عين العاصفة والأخطار تحدق بالمنطقة من حولنا، فنرى أنظمة حكم تتزعزع وشعوباً تتشرّد وتُهجَّر ومدناً تحرقُ وتهدَّم، ونحن في نجوة عما يجري في المنطقة ولكننا لسنا في مأمن.
أيها الكويتيون الأحبة
العاقل من يستفيد من أخطائه، أمّا الحكيم فيستفيد من أخطاء غيرهّ!.. فلنكن حكماء تجمعنا المواطنة الصالحة في ظل رايةِ الوحدة الوطنية، بعيداً عن التحزّب والشرذمة. وليكنْ هذا الشهر الفضيل مناسبة لنبذ الأحقاد والعودة إلى الضمائر، وامتلاك إرادة العيش معاً لنكون في منأى عن الشحناء والتطرف والتعصُّب.
ليكنِ الفساد والطائفية والفئوية أعداءنا ولتكنْ رسالة الإسلام السمحاء منهج حياتنا، فإنَّ جميع عناصر القوة والمنعة.
آن الأوان لكي نكون متراصين في وحدتنا، مجتمعين على حقنا حتى نكون جديرين بوطننا وأرضنا، ونكون أهلاً للحفاظ على موقع الكويت منارة ثقافية حضارية وندفع عنه أطماع الطامعين ومؤامرات المفسدين.
ولنتوجه إلى الله تعالى راجين منه أن يظل الكويت بلداً آمناً، وأن يرزق أهله من كل الثمرات، ويوحد كلمتهم ويجمع على الفضيلة شملهم، وان لا يجعل بأسهم بينهم، إنه هو السميع البصير
ولا يسعنا في هذه المناسبة أن نتوجه الى الشعب الكويتي بالتهئنة بحلول شهر الخير والرحمة واعاده الله على الكويت واميرها وولي عهدها وشعبها بالخير والبركة.