تشير المعلومات حول الحرب الحالية على المنظمات الإرهابية في العراق وسوريا أنها ستمتد لسنوات ولن يكون هناك حل شامل في المستقبل المنظور، بل ستكون هناك تسويات محدودة ومتفرقة بحسب الملفات العالقة، وأجمع على ذلك المفكرون والإعلاميون والسياسيون من العالم العربي والعالم الغربي. ورأوا أنه لن تطرأ تغييرات على كيانات الدول القائمة وحدودها، لكن هذه البلدان ستبقى في حال تفكك وانقسام داخلي وتحكمها أنظمة سياسية هشّة غير قادرة على تحقيق الإستقرار الكامل.
ومعروف أيضاً أن التحالف الدولي الحالي والتدخل الأميركي العسكري لن يؤديان إلى القضاء على المنظمات الإرهابية. ويبدو أن التاريخ يكرر نفسه لرجال عانوا من "الأمية السياسية" التي ارتضى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي اعتناقها وقد عبر عن أميته السياسية في كلمة متلفزة، قال فيها أن "ما حدث من ارهاب ما هو الا حالة طارئة وزائلة وسنعيد للعراق خارطته ووجهه الحقيقي"، مؤكدا " ان هزيمة "داعش" ستكون على ارض العراق".
وشدد رئيس الوزراء العراقي على أن "نتائج المعركة مع "داعش" تسير بكل ثقة لصالح شعبنا"، وأكد ان "زخم المعركة سيتواصل حتى تحقيق كامل الاهداف" ودعا السياسيين الى نبذ الخلافات والمثقفين الى التصدي للحرب النفسية.
وأكد العبادي، أن العراق سيواصل التحدي والمواجهة وسيمحو "الخريطة المزيفة والوهمية" التي رسمها "الإرهاب" لبلاد الرافدين.
إذا العبادي متأكد من انه سيواجه داعش ومصيرهم الهزيمة وسيمحو الخريطة المزيفة والوهمية لتنظيم داعش.
جميل كلام للعبادي ولكن ما هو واقع يخبرنا عن تقاصيل اخرى تسقط كلام العبادي وتضعه في حانة الأمنيات أو الأوهام لأن حين نسمع أن الاستخبارات الامريكية تعاني من نقص المعلومات بمعنى أنها "أخطأت التقدير"، يضعنا أمام احتمالات عدة لأن فك الغاز المعادلات السياسية والاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط التي ارتضى لها ايضا أن تكون اسيرة لامية سياسية جعلت من التطرف والارهاب بيئة حاضنة في هذه المطنقة لا يعطينا أملاً بأننا قادمون على نصر مؤكد.
ولو أردنا التعمق في المشهد العراقي، نرى أن هذه الحرب ضد الارهاب ليست في صالح الشعب العراقي ولا حتى وجود الارهاب هو لصالح الشعب ولكن النتائج لن تكون على شكل مشهد انتصار على الارهاب إنما سيكون مشهد نرى فيه المزيد من التفكك والمزيد من عدم الاستقرار والمزيد من الانقسام بين مكونات العراق المذهبية، لأن الجماعات الأصولية عندما تتحول هي الأخرى إلى موقع الدفاع عن نفسها فإنها تبحث عن إستراتيجيات واقعية لتحقيق مصالحها وتطلعاتها وبظل ما تعانيه الاستخبارات الاميريكية من شح من المعلومات لا يمكننا أن نتحدث انتصار منتظر إذا كنا نؤمن بأن هذا التحالف يريد لنا أن نتخلص من الارهاب.
وليس جديداً أيضاً أن نسمع هكذا تصريحات تريد أن تسحق "داعش" وجبهة "النصرة" ومشتقاتهما التي جاءت صنيعة الاستخبارات التدميرية لوضع تشددها في خانة الصدفة الطارئة لتشكل إطار استنبات مشروع "خلافة إسلامية متطرفة"، وليس خافياً على أحد أن رؤوس مجموعات هذا التنظيم هم من الذين تدرّبوا وتخرّجوا على يد الاستخبارات التدميرية من خلال أعمال تجنيد مدروسة لرموز الجماعات التكفيرية المنتشرة في دول أوروبا.
وكأن السيد العبادي نسي خطر مشروع التحالف الذي قد يخفي في طياته تفتيت منطقة الشرق الأوسط بذريعة ضرب "مشروع الاسلام الجهادي"..
ويبدو أن كذبة التصدي لمشروع "الخلافة الاسلامية" صدقه العبادي و"استعراض" الضربات لمواقع "الارهاب الداعشي" أمر جعل من رئيس الوزراء العراقي يصدق أن بأمكانه أن يهزم داعش على اراضي العراق وكأنه لا يعرف ما يمكن أن تصل اليه الامور من حرب طائفية تحرق كل دول المنطقة التي أعلن "داعش" امتداد خلافته على أراضيها.
وعلينا أن نذكر العبادي أن قبل الصراع الحالي ساعدت الخلافات السياسية في العراق من دخول التنظيمات المتطرفة في النسيج الاجتماعي، مستفيدة من الصراع الدائر بينكم.
وأخيراً علينا أن نتأمل قليلاً في تصريح العبادي الذي قد يكون مبني على سيناريوهات التحالف المقام ضد داعش في تأكيده على حتمية الانتصار وكأن غاب عن باله أن التحالف لا يمكن وحده أن يحقق له ما يتمناه لأن الحرب على الارهاب ليست فقط حرب بارود فمنذ احتلال العراق وبعد الاحتلال ماذا فعلت السلطات العراقية من أجل طرد شبح الارهاب عن مجتمعهم ألم يكن مطلوب منهم اتباع مسار سياسي وفكري واجتماعي يؤدي إلى تجفيف المنابع الفكرية للحركات المتطرفة ومعالجة أسباب نشوئها؟
يبدو أن رئيس الوزراء العراقي سكنته الاحلام ويريد ان يحارب داعش نفسياً عبر التصريحات..