بقلم: الشيخ فهد سالم العلي الصباح
التطرف في اللغة هو الابتعاد عن الوسطية والتمركز عند طرفٍ بعينه، ومن ثم اعتبار هذا الموقع نقطة مركزية بديلاً عن مركزية الوسط الذي يمتاز بالاستقرار والثبات.
ويصير التطرف بالغ الخطورة عندما يتخذه المتطرفون منهجية نضالية أدواتها العنف والفوضى والخروج على النظام العام، مع ما يستتبع ذلك من آثار سلبية ودمار اجتماعي واقتصادي..
وقد يصير التطرف وسيلة للاستيلاء على السلطة بعد أن يلبس قناع الثورة ليتم إقناع العامة من الناس بوجوب مساندته من أجل ترسيخ العدالة التي يتمناها الجميع بينما هو لا يمكن أن يكون في إطار العدالة التي يتمناها الجميع طالما أنه يسعى إلى الغاء الآخر، لا بل يهدف إلى القضاء على جميع الذين ليسوا في دائرة تطرفه، ولا هم ملتزمون بما ألزم به نفسه، من تسلط وعدوان..
لذلك كان ارتباط التطرف بالطائفية أمراً طبيعياً طالما أنه يدعو للتمايز والتمييز، ويتناسب مع الدعوة والزعم بأن هذه الطائفية أو تلك تدعي بأنها تمتلك الحقيقة دون سواها من بني البشر، وهنا يشترك الجهل مع التطرف الطائفي في عملية الصراع بين قطبي التطرف لتصير البيئة الاجتماعية مهيأة للحروب والفتن، وهنا تختلط الأمور ويتسع المجال للفساد ليتولى عصب العيون فلا ترى عدواً لها إلا الذين خارج معسكر هؤلاء المتطرفين.
واخطار التطرف لا تتمثل في هدم ما هو قائم فقط، إنما تشكل حائلاً أساسياً في وجه التقدم والتطور من حيث أنها ترتكز على إلغاء الآخر والقضاء عليه، لذلك يكمن التطرف في الجهة الأخرى المناقضة للديمقراطية، ولا يمكن إلا أن يكون معادياً للحرية والسلام الاجتماعي، وبالتالي يمكن أن يتخذ اشكالاً متعددة كما هي الحال في المجتمعات الغربية حيث كان التطرف شديد الوطأة عبر التمييز العنصري، بعد أن كان مرتبطاً بالطوائف المسيحية التي ظلت تتقاتل لمئات السنين.
من هنا كان من الظلم أن يسود التطرف في العالم وأن ينالنا نحن العرب والمسلمين الشيء الكثير من أضراره وويلاته حتى أدى في المرحلة الراهنة إلى تدمير أوطان وشعوب وبلغ خطره حداً رهيباً حين سيطر المتطرفون على وسائل البقاء وعلى مساحات واسعة من الارض واستولوا على منابع الطاقة في سوريا والعراق.
وبنظرة مباشرة إلى خطورة هذه الظاهرة التي جمعت التطرف إلى الارهاب ونشأت في مناخ الحرية الغربية لتصير آفة تهدد وجود ودول وشعوب، ومما يزيد الأمر سوءاً أن يحلو للبعض وللإعلام ان بنسبوا هذا التطرف المتوحش بالدين والإسلامي الحنيف، خاصة وأنه (أي الاسلام) دين يؤمن بالوسطية والاعتدال وبالتالي يتنافى مع التطرف والعدوان من حيث دعوته الى التعارف والتكامل بين الأفراد والشعوب.
ويمكن الحكم بأن ممارسات التطرف قد بلغت حداً عظيم الخطورة باعتماد الذبح والقتل والسبي والعودة إلى أنظمة الرق والعبودية والتنكر لحقوق الإنسان وأبسط العهود والمواثيق الدولية والاجتماعية، الأمر الذي يسيل لعاب الأوساط الاعلامية المتربطة بالدوائر المعادية للعرب والمسلمين، ومن ثم تُستغل هذه الأحداث لتشويه صورة الإسلام والعرب، بعد أن تتخذ منها قوالب نمطية تُسخّر من قبل الإسرائيليين لتغطية عدوانهم واغتصابهم للأراضي العربية ولتبرير الاستيلاء على منابع الطاقة وسلب خيرات الشعوب.
مدعوون نحن العرب والمسلمين الى اليقظة والتنبّه لهذا الخطر المحدق بالجميع، وقطع الطريق على استمراره دفاعاً عن أوطاننا وابنائنا وحرصاً على سلامنا الاجتماعي وعلاقاتنا مع الدول والشعوب.